ابناء يعقوب بقلم ولاء رفعت حصري علي موقع أيام
منها شابة في منتصف العشرينات ترتدي ثوب فضفاض أسود اللون ووشاحا مثلثا تنظر إلى البناء الذي ولدت فيه وعاشت طفولتها حتى انتهت من دراستها الجامعية وتزوجت من أحد زملائها الذي أحبته رغم رفض والدها له قبل مماته وكذلك شقيقها الذي حذرها منه ومن إنه شخص سيئ الطباع وبالرغم من ذلك تخطت كل الآراء وركضت خلف قلبها وألقت بنفسها داخل براثن رجل أذاقها الويل والمر بجميع ألوانه حتى فاض بها وتركته لتعود إلى منزل والدها والذي قد تزوج فيه شقيقها
إليها صوت والدته الجهوري تسأله بحدة كالعادة
مين يا واد يا محمود
سألها الصغير
انتي مين
وضعت
يدها على رأسه وبطيف ابتسامة أخبرته
أنت نسيتني يا محمود أنا عمتو ليلى
خرجت والدته من المطبخ عندما لم يجب على سؤالها رأت هذه الزائرة فسألتها بتعجب
ليلى! ادخلي اتفضلي
أنتم رجعتوا من ليبيا إمتى
أجابت باقتضاب
أنا اللي رجعت بس
جاية أجازة يعنى
سؤال آخر حتى يخيب ظنها وخۏفها إنها تريد المكوث معهم
لا أن
قاطعها رنين الجرس فقالت الأخرى
ذهب الصغير وفعل كما أمرته والدته دخل والده يحمل كيسا ورقيا مليء بالموز اختطفه ابنه من يده وهلل بفرح
شوف الواد بدل ما تسلم على أبوك يا ابن هويدا
عرفة
صاحت به زوجته وهي تزجره وتشير إليه بعينيها نحو هذه الجالسة ولا يراها سوى من الظهر فألقى التحية
السلام عليكم
حمد لله على السلامة يا ليلى
نور الشمس يشبه ابتسامتها التي تأسر قلوب كل من ابتسمت إليه تتجول هنا وهناك داخل المتجر وعينيه تراقبها عن كثب ضغط احد العمال على زر المذياع فأطلقت تلك الكلمات مع أعذب الألحان بصوت كوكب الشرق
علموني أندم على الماضي وجراحه
اللي شفته قبل ما تشوفك عينيه
عمر ضايع يحسبوه ازاي علي
انت عمري اللي ابتدى بنورك صباحه
قاطع تلك اللحظات الرومانسية الحالمة مجيء عرفة الذي
كان على وجهه علامات الحزن حاملا على كاهله هما ثقيلا ألقى التحية على رب عمله فبادله الأخر التحية ثم سأله
جلس على الكرسي أمام المكتب وأجاب بحزن دفين
ليلى أختي رجعت من السفر وحالها متبدل على الأخر كانت زى البدر المنور بقت مطفية وفي عينيها نظرة حزن تقطع القلب
سأله يعقوب باهتمام
لا حول و لا قوة إلا بالله هي متخانقة مع جوزها
أجاب والشعور بالعجز يتملك من قواه
زى ما ساعدتك عارف سافرت معاه ليبيا بعد ما أتجوزوا من سنة بيشتغلوا مع بعض في شركة واحدة كانوا بيقبضوا وبتشيل قبضها معاه لحد ما اشتغلت معاهم واحدة إيطالية والست كانت عينيها منه وهو ما صدق و يا حبيبتي لما شكت وواجهته اټخانق معاها وضربها لولا جيرانهم أنقذوها من إيديه كان ممكن ېموتها وولاد الحلال ساعدوها ترجع على هنا
أطلق زفرة پقهر وحنق شديد فأردف
يا مين يدلني عليه كنت مسكته قطعته بسناني
تنهد يعقوب وعاد بظهره إلى الوراء قائلا
بص يا عرفة أنا عارف كلامي ممكن يضايقك بس هي عملت في نفسها كدا اتجوزته برغم رفضكم ليه و أبوك الله يرحمه مېت وهو زعلان عليها باعتكم واشترته فشيء طبيعي هيعمل فيها اللي عايزه وهو واثق إنها هاتستحمله عشان بتحبه
أنا هخليها ترفع عليه قضية طلاق وأنا هاقف معاها
سأله يعقوب بفطنة
وتفتكر هي هتوافق
رفع كتفيه ولا يعلم الإجابة فأردف يعقوب
سيبها هي بنفسها اللي تطلب الطلاق وأراهنك عمرها ما هتقدر تبعد عنه أو تطلق منه
يبقى هي اللي اختارت زى زمان
مال يعقوب بجذعه إلى الأمام وأخبره
تبقى غلطان أختك دلوقتى في حالة تقدر تقنعها إن اختيارها كان غلط من الأول
أومأ
إليه بالموافقة ثم قال
ربنا يسهل
نهض قائلا
عن إذنك لما نشوف أكل عيشنا
استني يا عرفة كنت عايز أخذ رأيك في حاجة
أجاب بحفاوة
عينيا ليك يا معلم
تسلم اقعد بس الأول
جلس مرة أخرى فأردف الأخر بصوت خاڤت إلى
حد ما
إيه رأيك في الآنسة رقية
أجاب بعفوية
شهادتي فيها مچروحة ما شاء الله عليها شاطرة جدا في شغلها والزباين مرتاحين قوي في التعامل معاها هو فيه حاجة حصلت
حدق إليها يعقوب لثوان ثم عاد للنظر إلى غرفة وأخبره دون تردد
أنا عايز أتجوز رقية
3
بعد مرور أربعين يوما من ۏفاة الحاج حسين والد رقية قام يعقوب بعقد قرانه عليها بعد أن قام بشراء منزل لها وقام بإعداده من كل شيء كما قام بشراء ثوب زفاف أبيض إليها لترتديه في حفل الزفاف وها هي تجلس على يسار المأذون وهو على يمينه يمسك يدها من أسفل
المحرمة القطنية يردد خلف المأذون ما يمليه عليه و قام عرفة ورجل أخر من المعارف بالشهادة على ذلك الزواج المبارك وبعد انتهاء الإجراءات والمراسم اختتم المأذون بذلك الدعاء
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما على خير إن شاء الله
وبعد المباركات والتهنئة أخذ يعقوب زوجته التي تشبه الأميرات في جمالهن وبهائهن ثم ذهب إلى المنزل الذي أعده لها كان يحملها على ذراعيه وتتشبث به پخوف وخجل ولج من الباب بعد أن قام بفتحه ثم دفعه بقدمه خلفه سار بها حاملا إياها حتى أنزلها على الفراش
أحاط وجهها بين كفيه ونظر إليها بعشق وهيام يلقي عليها كلماته بصوته الأجش
تعرفي يا رقية أنتي أحسن حاجة حصلت لي في حياتي
ابتسمت بخجل وهي تخفض بصرها إلى أسفل تارة ثم تنظر إليه لثوان تارة أخرى قائلة
أنا بقى اللي ربنا بيحبني إنه رزقني بيك يا يعقوب هقولك على حاجة
هز رأسه بلهفة لتردف
أول مرة شوفتك لما جيت تعزيني حسيت وقتها بإحساس غريب قوي شعور كدا ماقدرتش أوصفه ولا أحكم عليه غير لما جيت لك المحل قولت معقولة يمكن دا الحب اللي بيقولوا عليه من أول نظرة لحد ما طلبت منى الجواز من غير ما أفكر وافقت
يعني انت ما حبتش راوية بنت عمك برغم أنكم بقى لكم متجوزين عشر سنين
هتصدقيني لو قولت لك إن جوازي من بنت عمي ماكنش برغبتي
ضحكت رغما عنها وسألته بمزاح
كان ڠصب عنك ولا إيه
طيب وأنا وضعك إيه معايا أمر واقع ولا اختيار
طبعا اختيار وأجمل وأحلى اختيار
كان يقرأ في الجريدة
مرتديا عويناته الطبية ربما القراءة تجعله يتهرب من أسئلة زوجته الفضولية بالطبع لا يريد أن يخبرها بزواج يعقوب في الوقت الحالي كما أوصاه يعقوب حتى لا يصل الخبر إلى زوجته راوية
وقف الصغير أمام والده طالبا منه
بابا بابا
أجاب عرفة دون أن يرفع بصره عن الجريدة
يا نعم
مد يده وأجاب
أنا عايز ٤٥ قرش أجيب إزازة ساقع
أخبره والده
روح خد من أمك
خرجت من المطبخ للتو تحمل صينية يعلوها كوبان من الشاي تضعهما أعلى المنضدة قائلة
أمه شطبت خلاص القرشين اللي أديتهم ليا خلصوا
أخفض الجريدة ليوبخ زوجته ذات الصوت الجهوري الذي يشبه ضجيج السيارات المزعج قائلا بصوت خاڤت
وطي صوتك يا ولية ليلى لو سمعتك ممكن تفهم غلط
أشاحت بيدها دون اكتراث فقالت
ما تسمع هى اللي معندهاش ډم من وقت ما جات واكلة شاربة قايمة نايمة مش بيهون عليها تطلع من جيبها جنيه تديه للواد ولا حتى بتساعدنى فى شغل البيت لتكون فاكراها لوكاندة واحنا الخدامين بتوعها!
زجرها عرفة بنظرة غاضبة معقبا على حديثها الحاقد
وانتي مالك بيها دى قاعدة في بيت أبوها وأنا أخوها ومسئولة مني هتبصي لها على اللقمة اللى بتاكلها! و بعدين ما انتي عارفة ظروفها
رفعت هويدا ثغرها جانبا بتهكم وقالت
ظروف إيه أنا لو مكانها كنت استحملت وقعدت على قلب جوزي لحد ما خدت فلوسي من عينيه لكن هي يا فرحتي خسړت كل حاجة عشانه وفي الأخر اللهم لا شماتة هو اللي باعها
صاح بتحذير
هويدا! كلمة كمان وهخليكي تقومي تلمي شنطة هدومك وتروحي
على بيت أهلك
نهضت وهي تحدق إليه بوعيد
بقى كدا يا عرفة بتهددني ماشي
قالتها وذهبت فرفع يده في وضع الدعاء وبصوت خاڤت قال
اللهم ارفع البلاء عنا أوهون علينا
وفي الغرفة المغلقة كانت تستمع إلى هذا الحوار من خلف الباب ذرفت عيناها الدموع بعدما أدركت أنها غير مرحب بها حتى في منزل والدها لذلك حسمت أمرها وبالفعل بعد مرور ساعات والجميع نيام أعدت نفسها للرحيل فأخذت حقيبتها ثم تسحبت على أطراف قدميها حتى لا يسمعها أحد لا تعلم
تفوهت راوية بترحاب بعد أن فتحت الباب وقامت باستقبال سعيدة التي أجابت
الحمد لله يا ستي بخير
لكزتها راوية بمزاح قائلة
بقى كدا من وقت ما اتجوزتي وما بقتيش تيجي حتى تطمني علي ولا الواد حمودة منعك تشتغلي في البيوت تاني
أومأت إليها سعيدة فأجابت
ربنا يبارك له المعلم يعقوب من بعد ما أتجوزنا وزود لحمودة المرتب فقولت على إيه المرمطة ما دام مرتبه مكفينا وزيادة الحمد لله
ألا قولي لي يا بت يا سعيدة مفيش أخبار جديدة ولا حمودة ما بقاش يحكي ليكي حاجة زى زمان
شعرت سعيدة بالتوتر بعد أن أدركت سبب دعوة راوية إليها فسألتها
بتردد
حاجة! حاجة زى إيه يا ست راوية
أمسكت راوية بمحفظة نقودها وأخرجت ورقة من
المال بفئة مائة جنية وأجابت
لو قولتي ليا هيبقى فيه مېت جنية تانية زيها
ابتلعت لعابها وهي تنظر إلى الورقة المالية باستسلام فقالت
هقولك بس بالله عليكي كأن ما قولتلكيش حاجة
أطلقت راوية زفرة كدلالة على أن صبرها قد أوشك على النفاذ وقالت
انجزي يا سعيدة ما أنتي عارفاني ومش أول مرة تحكي ليا
هزت رأسها بنعم قائلة
حمودة عرف من واحد صاحبه إن المعلم يعقوب خده معاه عشان يشهد على العقد مع عم عرفة
ضيقت راوية ما بين حاجبيها
عقد إيه ده اخلصي قولي بسرعة
كانت تنظر إلى الأسفل تارة وإليها تارة أخرى ثم أخبرتها بتوجس
عقد جواز المعلم يعقوب على البنت اللي كانت بتشتغل عنده
في المساء عاد من المتجر إلى منزله ليطمئن على صغيره وعلى زوجته الأولى التي وجدها تجلس في منتصف الأريكة ترتدي جلبابا أسود اللون وكذلك الوشاح أيضا أسود علم على الفور بأن هناك کاړثة في انتظاره فسألها
مالك قاعدة ولابسة أسود في أسود كدا ليه
حدقت نحوه بنظرة أخبرته ما تشعر به جيدا فأجابت
لابسة أسود على بختي وحظي
ضيق ما بين حاجبيه بامتعاض يسألها
لا